لا ينضوي الدوري الفرنسي لكرة القدم تحت لواء الدوريات العظمى في القارة الأوروبية كالإيطالي أو الإسباني أو الإنكليزي ولم تفلح أنديته في مقارعة الكبار في البطولات الأوروبية، لكن ما يميزه عن غيره من الدوريات هي مواهبه الشابة التي تلمع وما تلبث أن تشق طريقها نحو البلدان المجاورة حيث العائدات المالية تفوق بأضعاف حجم مثيلاتها في فرنسا، ولا يختلف اثنان على أناقة وجمال الكرة في فرنسا هذا البلد الذي يرتبط اسمه منذ عقود بالثقاقة والفن والموضة والعطور الفاخرة.
المدرسة الكروية الفرنسية
على الرغم من المستوى المتواضع للأندية الفرنسية، لعبت المدرسة الكروية الفرنسية دوراً كبيراً في نشر ثقافة كرة القدم في البلاد وثقل المواهب الشابة ما جعل الأندية الأوروبية العريقة تتهافت لضم الفرنسيين، بداية من الخمسينيات عندما انتقل ريمون كوبا إلى ريال مدريد الإسباني ثم ميشال بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي للعبة الحالي إلى يوفنتوس الإيطالي في الثمانينات والنجم اريك كانتونا إلى ليدز ومانشستر يونايتد الإنكليزيين في التسعينيات، هذا فضلاً عن انتشار المدربين الفرنسيين في القارة الأوروبية والآسيوية والأفريقية.
وشكل انتقال الأسطورة زين الدين زيدان من يوفنتوس الإيطالي إلى ريال مدريد في العام 2001 أعلى صفقة في تاريخ كرة القدم، في حين تربع تييري هنري على صدارة هدافي الدوري الإنكليزي لسنوات هذا بالإضافة لغيرهم من النجوم الفرنسيين الذين تألقوا مع أكبر الأندية الأوروبية وساهموا بقيادة فرنسا للفوز بكأس العالم 1998 وكأس أمم أوروبا 2000.
ولا يقتصر الأمر على اللاعبين الفرنسيين فقط، إنما لمع في الدوري الفرنسي لاعبين من مختلف الجنسيات تحولوا إلى نجوم عالميين وأثبتوا أن الأندية الفرنسية هي مصانع تصنع نجوماً من الطراز الرفيع.
نذكر من بين هؤلاء اللاعبين، الليبيري جورج وياه والبرازيلي رونالدينيو والإيفواري ديدييه دروغبا وغيرهم، وهذا ما جعل الدوري الفرنسي محط أنظار الكشافين وبطولة يتابعها عدد كبير من عشاق المستديرة حول العالم.
من الهواية إلى الاحتراف
دخلت كرة القدم في فرنسا مرحلة الاحتراف ابتداءً من العام 1930 بعد أن اجتمع المجلس الوطني في الاتحاد الفرنسي لكرة القدم في شهر تموز/يوليو وأقر تحويلها من رياضة للهواة إلى رياضة للمحترفين.
وبعد سنتين نظم الاتحاد الفرنسي أول دوري للمحترفين، أطلق عليه اسم "البطولة" فخاض 20 نادياً، استوفوا شروطاً خاصة فرضها الاتحاد، في موسم 1932-1933 النسخة الأولى من بطولة فرنسا التي شهدت تتويج نادي منطقة الشمال الفرنسية أولمبيك ليل (نادي ليل الحالي) باللقب.
وبين أعوام 1932 و1939 شكلت أندية سوشو وسيت وأر سي باريس ومرسيليا وأولمبيك ليل العمود الفقري للبطولة بعد أن توّج كل منها مرة واحدة باستثناء أف سي سوشو الذي توج مرتين.
وشهدت هذه الحقبة قدوم لاعبين بريطانيين إلى بطولة فرنسا ومن دول أوروبا الوسطى خصوصاً من النمسا إضافة إلى أفضل لاعبين عالميين في هذه الفترة، وهم رودولف هيدن وأندريه أبغلين ولاربي بن بارك.
ودخلت كرة القدم والرياضة بشكل عام في نفق مظلم في القارة الأوروبية مع حلول العام 1939 إذ عصفت الحرب بالقارة العجوز وأطلق آنذاك اسم "بطولة الحرب" على البطولة في فرنسا بين أعوام 1939 و1945.
سيطرة ريمس
تحت قيادة المدرب ألبير باتو، فرض نادي ريمس نفسه الأقوى على الساحة منذ العام 1950 معتمداً على كوكبة من لاعبين موهوبين في تلك الفترة على رأسهم الدولي الفرنسي ريمون كوبا الذي دافع عن ألوان النادي من 1951 وحتى 1956 وزميليه في المنتخب الفرنسي روبير جونكيه (1942-1960) وجوست فونتين (1956-1962). وتمكن ريمس من حصد ثلاث بطولات 1957-1958 و1959-1960 و1961-1962.
وعلى الرغم من ترسانة النجوم في صفوف ريمس، إلا أن أندية سان اتيان وموناكو ونيس استطاعت أن تفرض هيبتها ففاز سان اتيان باللقب في موسم 1956-1957 كما توج كل من موناكو ونيس بلقبين.
وشهد العام 1956 انتقال أول لاعب فرنسي إلى دوري آخر، عندما وقع النجم ريمون كوبا لنادي ريال مدريد الإسباني.
أمجاد سان اتيان ونانت
صعد نادي نانت إلى مصاف أندية الدرجة الأولى في العام 1963 وظفر بلقب البطولة في موسمه الثاني، بعد أن قدم عروضاً رائعة تحت قيادة جوزيه أريباس، فتميز الفريق آنذاك بالسرعة واللعب الجماعي، لكنه لم يستطع التفوق على سان اتيان الملقب "الخضر" الذ كان غريمه التقليدي وشكلت مباريات الفريقين قمة مباريات الدوري الفرنسي طوال عشرين عاماً.
وبين أعوام 1963 و1983 فاز سان اتيان بتسعة ألقاب في حين توج نانت بستة، وتوجت أندية مرسيليا (1970-1971 و1971-1972) وموناكو (1977-1978و1981-1982) وستراسبورغ (1978 -1979) بألقاب النسخات الأخرى.
وفي خلال هذه الحقبة حفر عدة مهاجمين أسماءهم في سجلات كرة القدم، نذكر من بينهم لاعب مرسيليا الصربي جوزيب سكوبلار الذي توج هدافاً للدوري موسم 1970-1971 برصيد 44 هدفاً (38 مباراة) ولاكومب الذي سجل 255 هدفاً (1970-1987) وديليو أونيس (299 هدفاً من 1972 وحتى 1986) وفيليب جونديه (36 هدفاً موسم 1966-67).
ولمع في السبعينيات عدة لاعبين وضعوا المنتخب الفرنسي على الخارطة الدولية نذكر منهم جان ميشال لاركي ورشيد مخلوفي ودومينيك روشتو وميشال بلاتيني وألان جيريس ولويس فرنانديز وجان تيغانا وماريوس تريزور ومانويل أموروس وهنري ميشال وغيرهم كما برز عدة حراس مرمى، أهمهم جان لوك إتوري وجويل باتس وبرونو مارتيني.
وفاز باريس سان جيرمان الذي كان يضم عدة نجوم برازليين في العام 1996 بكأس الكؤوس الأوروبية على حساب رابيد فيينا النمساوي قبل أن يخسر في نهائي 1997 أمام برشلونة الإسباني. وغابت بعدها الفرق الفرنسية عن الأدوار المتقدمة في البطولات الأوروبية باستثناء خوض مرسيليا نهائي كأس الاتحاد الأوروبي عامي 1999 و2004 وسقوط موناكو في نهائي دوري الأبطال عام 2004 أمام بورتو البرتغالي (صفر -3).
وبعد صدور قانون بوسمان في العام 1996 والسماح لعدد غير محدد من اللاعبين الأوروبيين باللعب في أندية الدوريات الأخرى، تغير وجه الدوري الفرنسي، وشد معظم نجومه رحالهم إلى البلدان المجاورة فانتقل زين الدين زيدان إلى يوفنتوس الإيطالي والمدافعان الدوليان مارسيل دوسايي وليليان تورام إلى ميلان وبارما الإيطاليين على التوالي كما حذا حذوهم فيما بعد العديد من الدوليين الآخرين أمثال تييري هنري ودافيد تريزيغيه وبيشينتي ليزارازو وباتريك فييرا ونيكولا أنيلكا ويوري دجوركاييف وغيرهم الذين تنقلوا بين الدوريات الثلاث الكبيرة وهي الإيطالي والإسباني والإنكليزي إضافة إلى الألماني.
الحكم الملكي لليون
بعد أن دانت السيطرة لأندية ريمس وسان اتيان ونانت ومرسيليا في حقبات معينة على البطولة، برز إلى الواجهة نادي ليون مع بداية العام 2000 بفضل رئيس حكيم يدعى جان ميشال أولاس، فتوج الفريق بقيادة المدرب جاك سانتيني بلقب البطولة في العام 2001 واستمر يحصد البطولات اللاحقة توالياً تحت قيادة مدربين مختلفين هم إضافة إلى سانتيني، كل من بول لو غوين وجيرار هوييه وألان بيرين ودخل النادي التاريخ بعد فوزه سبع مرات متتالية وهو مرشح للقب الثامن تحت قيادة كلود بويال في هذا الموسم.
وشكل العمود الفقري للفريق خلال هذه الفترة كل من البرازيليين سوني أندرسون وجونينيو وكريس وكاسابا والحارس غريغوري كوبيه وسيدني غوفو إضافة إلى حاتم بن عرفة الذي انتقل إلى مرسيليا والنجم الواعد كريم بنزيمة أفضل لاعب في الدوري موسم 2007-2008 وهدافه.
نظام الصعود والهبوط
في العام 2002 قرر الاتحاد الفرنسي لكرة تسمية دوري الدرجة الأولى "ليغ 1" والدرجة الثانية "ليغ 2" بعد أن اعتمدت تسمية بطولة الدرجة الأولى وبطولة الدرجة الثانية منذ عام 1933 وحتى العام 2001.
وبالنسبة لنظام الصعود والهبوط، فقد أقر الاتحاد الفرنسي لكرة القدم قانوناً في العام 1993، يقضي بصعود بطل دوري الدرجة الثانية "ليغ2" ووصيفيه إلى الدرجة الأولى "ليغ 1" في نهاية الموسم في حين تهبط الأندية الثلاثة التي تتذيل ترتيب دوري الدرجة الأولى "ليغ1".
وفي نسخات الدوري السابقة كان يسقط مباشرة إلى الدرجة الثانية الناديين الأخيريين على جدول الترتيب في حين يتحدد النادي الثالث الذي يسقط عقب مباريات فاصلة بين الأندية التي تحتل ذيل الترتيب وثالث ترتيب جدول دوري الدرجة الثانية.
الخروج من الأزمة المالية
تشير التقارير المالية في فرنسا إلى أن ميزانية أندية "ليغ1" وعددها 20، بلغت 910 مليون يورو في موسم 2005-2006 وذلك يشكل زيادة بنسبة 39% مقارنة بموسم 2002-2003. وبفضل هذا التصاعد الناتج عن عائدات حقوق النقل التلفزيوني، تمكنت الأندية الفرنسية من الخروج من الأزمة المالية التي لاحقتها منذ انطلاق البطولة كما استطاعت هذه الأندية مجتمعة من جني 27.708 مليون يورو خلاا موسم 2005-2006.
ونتج عن هذه الأزمات اتجاه أندية عريقة إلى فئة الهواة، نذكر منها سيت (1960) وسي أي باريس (1963) ولر كوري روبيه (1963) وتروا (1963) وفورباش (1966) وراسينغ كلوب باريس (1966) وستاد فرانسيه (1967)ومونبيلييه (1969) ولانس (1969).
بعد هذه الخسائر الفادحة، توصل الاتحاد الفرنسي للعبة ورابطة الدوري في العام 1970 إلى اتفاق لإدخال بعض الإصلاحات لإنقاذ الكرة الفرنسية بعد أن دامت الأزمة بينهما أكثر من 25 عاماً . فكانت البطولة مقفلة منذ العام 1932 إذ لم يكن باستطاعة أي ناد من الهواة الصعود إلى الدرجة الثانية أو بالعكس، فابتداءً من العام 1970 صدق على هذا النظام لتتمكن أندية أمثال أوكسير (فاز بلقب البطولة موسم 1995-96) وغينغان من اللعب في دوري المحترفين.
سجل الفائزين
نادي سان اتيان هو الأكثر تتويجاً بلقب البطولة بعد أن عانق الكأس عشر مرات، يليه ناديي نانت ومرسيليا ولكل منهما ثمانية ألقاب ثم ليون وموناكو (7) وريمس (6) وبوردو (5) ونيس (4) وباريس سان جيرمان وليل وسيت وسوشو (2) فيما فازت أندية ليل وأر سي باريس وروبيه وستراسبورغ وأوكسير ولانس بلقب واحد.